أخبارأخبار عامةالأسرة و المجتمعسياسة
أخر الأخبار

محمد الشندودي : هيئة المتقاعدين المغاربة بين رهانات التنظيم واستحقاقات المرحلة المقبلة

ابابريس: قسم الاخبار

في لحظة مفصلية من تاريخها، تقف هيئة المتقاعدين المغاربة على عتبة اختبار حقيقي لجوهرها ووجودها. فالأمر لم يعد يتعلق بمجرد بنية تنظيمية أو هياكل إدارية، بل برهان أخلاقي وتاريخي على قدرتها في أن تكون لسان حال جيل أعطى الكثير للوطن، ووجد نفسه اليوم يطالب بما هو حق اصيل لا منة فيه: الكرامة والإنصاف. إنها معركة وعي قبل أن تكون معركة مطالب، واختبار للإرادة الجماعية في مواجهة واقع يزداد تعقيدا يوما بعد يوم.

منذ المؤتمر الوطني الى غاية موعد انعقاد المجلس الوطني، سبعة اشهر من العمل الميداني المتواصل والتجريب الجماعي، كشفت حجم التحديات التنظيمية، لكنها في الوقت نفسه اكدت وجود ارادة جماعية صلبة لبناء اطار وطني مستقل للمتقاعدين. فقد كانت هذه الفترة مرحلة تأسيس وترتيب للبيت الداخلي، وتثبيت للخط النضالي الذي اختارته الهيئة كمسار لا تراجع عنه.

من هذا الوعي الجماعي، ينبثق مشروع برنامج عمل الهيئة للسنة المقبلة، ليكون بمثابة خارطة طريق واضحة المعالم، لا تكتفي بتحديد الأولويات بل تؤسس لمنهج في العمل يعتمد الشفافية، والتخطيط، والمساءلة. فالمجلس الوطني المزمع عقده يوم السبت 29 نونبر 2025 بمدينة القنيطرة، تحت شعار: “معا نحو تنظيم أقوى ومستقبل كريم للمتقاعدين”، ليس مجرد موعد تنظيمي، بل لحظة تقييم ومصارحة، يُفترض أن تترجم فيها التجربة إلى رؤية، والحماس إلى أفعال.

فالبرنامج لا يقتصر على مجرد جدول اعمال، بل هو تعبير عن ارادة راسخة لإعادة الاعتبار للمتقاعد كمواطن كامل الحقوق، يحمل تجربة ومعرفة يمكن ان تصنع الفرق في السياسات العمومية. هو بمثابة منصة لتجسيد صوت من لا يريد مجرد الحضور الرمزي، بل المشاركة الفاعلة في رسم مستقبل يليق بالكرامة التي سعى الجميع للحفاظ عليها.

تضع الهيئة في صدارة اولوياتها ترسيخ البناء التنظيمي عبر:

1. اتمام هيكلة المكاتب الجهوية والمحلية وتوسيع قاعدة الانخراط.

2. تعزيز آليات التواصل الداخلي لتجاوز عوائق التشتت وضعف التنسيق.

3. بلورة خطة تكوين وتأطير مستمرة لاطر الهيئة في مجالات التدبير والترافع.

4. تطوير قنوات التواصل الخارجي مع الهيئات الوطنية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

5. البناء المؤسساتي من خلال تكوين اللجن الخمس الدائمة الكفيلة بتفعيل قرارات المجلس الوطني وضمان الاستمرارية العملية في مختلف المجالات.

اما في الشق المطلبي، فان الهدف المركزي هو تحقيق العدالة الاجتماعية للمتقاعدين من خلال:

مراجعة منظومة المعاشات بما يضمن العيش الكريم.

تحسين التغطية الصحية وضمان استمرارية الخدمات بعد التقاعد.

الدفع نحو اقرار تمثيلية حقيقية للمتقاعدين في المجالس الاستشارية ومؤسسات الحكامة.

الرهان الاكبر اذن هو ان تتحول الهيئة الى قوة اقتراحية وضغط ناعم، تجمع بين الوعي الحقوقي والفعالية التنظيمية، بعيدا عن اي تبعية حزبية او نقابية. فالمتقاعد لا يحتاج وصاية، بل يحتاج فضاء ينصت اليه ويحترم مساره.

التحديات لن تثنينا عن المضي قدما؛ فالهيئة ليست مجرد تنظيم اداري، بل هي مشروع جماعي، يختزل ذاكرة وطن وتجربة أجيال، ويمثل جسر الامانة بين الماضي والحاضر والمستقبل. كل قرار، وكل خطوة تنظيمية، وكل تفاعل مع الواقع الاجتماعي، هو تأكيد على ان المتقاعد ليس هامشا، بل قلب نابض بالحياة يرفض الانكسار ويدافع عن حقه في المشاركة والتأثير.

إن المرحلة المقبلة لن تقاس بعدد الاجتماعات أو البلاغات، بل بمدى قدرتنا على تحويل المطالب إلى قناعات جماعية، والوعي إلى حركة منظمة، والصوت الفردي إلى صدى وطني. فالقضية لم تعد فقط قضية المتقاعد، بل قضية مجتمع يعيد تعريف علاقته بذاكرته الحية وبالجيل الذي صنع تاريخه. إننا أمام رهان وجودي: إما أن نكون هيئة تحدث الفارق، أو نتحول إلى صدى باهت في زحمة الخطابات. والاختيار واضح… الكرامة لا تتقاعد، والإرادة لا تحجب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى