ذة. مليكة بنضهر : الحكم الذاتي… انتصار الرؤية المغربية

ابابريس : قسم الاخبار
بقلم: مليكة بنضهر
يعد آخرُ قرارٍ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحولاً حاسماً في ملف الصحراء. إذ كرس بشكلٍ صريح المقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي كأساسٍ للمفاوضات المقبلة، مؤكداً بذلك النهج الذي يدافع عنه المغرب منذ ما يقارب عقدين من الزمن.
يشكّل القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء لحظة فارقة في مسار هذا الملف المعقد الذي يمتد على عقود من الزمن. فبإقراره للمبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي كأساس جاد وواقعي لأي مفاوضات مستقبلية، يكون المجتمع الدولي قد منح المغرب اعترافاً صريحاً بنجاعة خياره الاستراتيجي القائم على الواقعية والتوافق.
منذ طرح مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، ظل المغرب يدافع عن رؤيته القائمة على منح سكان الأقاليم الجنوبية صلاحيات واسعة في إطار السيادة الوطنية، بما يضمن تنمية الجهة واستقرارها، ويحفظ في الوقت ذاته وحدة التراب الوطني. هذه المقاربة، التي بدت في بداياتها طموحة وغير مألوفة في منطق النزاعات الإقليمية، تحوّلت اليوم إلى مرجعية معترف بها من قِبل القوى الكبرى وأجهزة الأمم المتحدة نفسها.
الخطاب الملكي الأخير، الذي وُصف في الأوساط السياسية والدبلوماسية بأنه “فصل من النصر”، جاء ليترجم هذا التحول إلى لغة الثقة والتطلع. فقد شدّد جلالة الملك محمد السادس على أن المغرب ماضٍ بثبات في مسار التنمية الشاملة بالأقاليم الجنوبية، وأن منطق الإنجاز على الأرض يسبق أي جدل سياسي. التنمية، هنا، ليست مجرد شعار، بل رهان استراتيجي لتثبيت الانتماء الوطني وتعزيز الروابط بين الإنسان والأرض.
31 أكتوبر 2025 سيبقى، بلا شك، محطة رمزية في التاريخ الدبلوماسي المغربي. فالتراكم الذي حققه المغرب في هذا الملف لم يكن نتاج ظرفية آنية، بل ثمرة رؤية بعيدة المدى قوامها الحزم في المبدأ والانفتاح في الوسيلة. إن دعم الأمم المتحدة للمبادرة المغربية ليس فقط تتويجاً لمسار طويل من الدبلوماسية الهادئة، بل أيضاً إقراراً بأن مقاربة المغرب تجيب عن سؤال طالما عجزت عنه الحلول السابقة: كيف يمكن الجمع بين السيادة الوطنية والتسوية السلمية؟
في هذا السياق، يمكن القول إن “الطريق الملكي” الذي أشار إليه كثير من المراقبين لا يُختزل في بعد سياسي أو ترابي، بل هو نموذج في القيادة الاستباقية التي توظف الدبلوماسية كأداة للبناء لا للصراع. المغرب، من خلال هذا المسار، لا يدافع عن حدودٍ جغرافية فحسب، بل عن فلسفةٍ في إدارة الأزمات، عنوانها الواقعية، وروحها الاستقرار.
إن القرار الأممي الأخير، إذ يعيد تأكيد مركزية المقترح المغربي، يمنح الرباط موقعاً تفاوضياً مريحاً، لكنه في الآن ذاته يحمّلها مسؤولية مضاعفة في تثبيت مكاسبها عبر التنمية، والديمقراطية المحلية، وتوطيد جسور الثقة مع محيطها الإقليمي.
هكذا يثبت المغرب أن مسيرة الصحراء لم تعد فقط قضية وحدوية، بل أصبحت أيضاً نموذجاً لنجاح السياسة المتبصّرة حين تتقاطع الإرادة الملكية مع الدبلوماسية الذكية ورؤية الدولة الحديثة.










