ميساج لفتيت الى كل من استولى على أموال الدولة أو على أراضٍ جماعية بطرق غير قانونية

ابابريس : قسم الاخبار
في تصريحٍ حازمٍ ومحمّلٍ بالرسائل السياسية، أعلن وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أن وزارته لن تتساهل بعد اليوم مع كل من استولى على أموال الدولة أو على أراضٍ جماعية بطرق غير قانونية، مؤكداً أن “المحاسبة قادمة، ولا أحد فوق القانون”.
وقال لفتيت، خلال تقديمه لمشروع الميزانية الفرعية لوزارة الداخلية برسم سنة 2026 أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة والشؤون الإدارية بمجلس النواب، إن كل من “استحوذ على أرض ليست له، خصوصا الموجهة للمشاريع العمومية، من الأفضل له أن يُعيدها اليوم قبل أن تُسترجع منه بالقانون”، مضيفاً بعبارته الصريحة: “لي دا شي أرض أو شي درهم ماشي ديالو، أحسن ليه يردها، سوا بالخاطر سوا بزز.”
تصريح يبدو عادياً في ظاهره، لكنه في العمق يحمل تحوّلاً لافتاً في الخطاب الرسمي، ويؤشر على مرحلة جديدة في علاقة الدولة بتدبير الشأن الترابي والمال العمومي.
منذ سنوات، ظلّ ملف العقار الجماعي وتدبير الممتلكات العمومية واحداً من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً بالمغرب، حيث تداخلت فيه المصالح السياسية والاقتصادية والشخصية، وتحولت بعض الجماعات إلى فضاءات مغلقة تغيب عنها الشفافية والحكامة. واليوم، يبدو أن وزارة الداخلية قررت أن تفتح هذه الصناديق السوداء، وأن تضع حداً لممارسات كانت تكلّف الدولة والمجتمع ثمناً باهظاً من الثقة والمصداقية.
خطاب لفتيت لم يكن مجرد تحذير إداري، بل رسالة سياسية إلى الجميع: إلى المنتخبين، وإلى رؤساء الجماعات، وإلى كل من اعتاد أن يتصرف في المال العام كأنه “ملكه الخاص”. الرسالة واضحة: الدولة لن تتسامح مع الفساد بعد الآن، ولن تتردد في تفعيل مساطر العزل والمتابعة القضائية ضد كل من يعبث بالملك العام.
الوزير، بخلفيته التقنية والسياسية، يدرك أن معركة التنمية المحلية لا يمكن أن تُخاض في بيئة يسودها الفساد والمحسوبية. فالحكامة الجيدة ليست شعاراً دستورياً فقط، بل شرط أساسي لبناء الثقة بين المواطن والدولة. والمواطن المغربي اليوم لم يعد يقبل أن يرى المشاريع تتعثر بسبب سوء التسيير أو تبديد المال العام، بينما تتزايد المطالب الاجتماعية والاقتصادية.
إن إعلان وزارة الداخلية عن فتح ملفات الفساد العقاري، هو في جوهره استجابة عملية للتوجيهات الملكية المتكررة التي دعت إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإلى جعل المرفق العمومي في خدمة التنمية لا في خدمة المصالح الضيقة. فالدولة القوية ليست تلك التي تعاقب فحسب، بل التي تُطهر مؤسساتها وتعيد الاعتبار لقيم النزاهة والكفاءة.
ولعلّ التحدي الحقيقي الذي ينتظر الداخلية اليوم ليس فقط في محاسبة المتورطين، بل في إعادة بناء الثقة داخل المنظومة الترابية، وتطوير آليات الرقابة والشفافية على مستوى الجماعات المحلية. فالمغرب الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس هو مغرب المؤسسات النظيفة، لا الامتيازات ولا الإفلات من العقاب.
رسالة لفتيت هي إذاً إعلان صريح بأن زمن التساهل مع الفساد قد انتهى، وأن الدولة تتجه بخطى ثابتة نحو نموذج تدبيري جديد عنوانه الصرامة والشفافية والمساءلة. وهي رسالة يلتقطها الرأي العام الوطني بارتياح، في انتظار أن تُترجم الأقوال إلى أفعال، وأن يرى المواطن بأمّ عينه أن القانون يُطبق فعلاً على الجميع، بلا استثناء ولا تمييز.









